تابعوا قناتنا على التلغرام
مقالات مختارة

الدولار شرط لدخول المستشفى في لبنان

تخلى كثير من اللبنانيين عن دخول المستشفيات، ليس لوجود بديل طبي أكثر فاعلية، وإنما لعجزهم عن تأمين كلفة العلاج بالدولار الأميركي “الفريش”، إضافة إلى هجرة الكفاءات الطبية إلى الخارج وما نتج منها لناحية ندرة “الجراحين”، فضلاً عن سقوط نظام الضمان الاجتماعي القائم. تختلف الوجوه والقصص، إلا أن العقدة واحدة “اللبناني غير قادر على الاستشفاء بسبب الكلفة الباهظة بالدولار”. وفي القنوات اللبنانية يظهر عدد من المرضى أو أقاربهم طالبين المساعدة من أصحاب “الأيادي البيضاء”.

يروي المواطن هادي معاناته فهو شاب في مقتبل العمر، يعمل مياوماً لقاء أجر زهيد، فجأة أصيبت والدته بأزمة قلبية. نقلها إلى أحد المستشفيات الخاصة في طرابلس التي “تعتبر أقل كلفة من سواها”، واكتشف أن الضمان الاجتماعي لا يغطي إلا مبلغاً زهيداً وأن عليه تأمين 4500 دولار أميركي لقاء عملية القسطرة والعلاج والعناية الفائقة. وجد نفسه أمام مأزق حقيقي، الوالدة في وضع صحي حرج ووضعه المالي لا يتيح له تأمين نفقات المستشفى ولا وجود لجهة ضامنة تخفف عليه العبء. كما أنه عند مراجعة الجمعيات الأهلية، كان الجواب أنهم “امتنعوا منذ فترة عن تقديم معونة الاستشفاء”. اضطر الشاب الى التنازل عن جزء من خجله وطلب المساعدة من أصدقائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

هذه القصة ليست فريدة من نوعها ولا تشكل استثناء، بل أصبحت تعبر عن تجربة يومية لكل مواطن لبناني. اطلعت “اندبندنت عربية” على عدد من القصص التي تراوحت قيمة الأعباء المترتبة على المريض في المستشفيات الخاصة بين 3 آلاف و24 ألف دولار أميركي، وفشل معظم المرضى في تأمين المبالغ بصورة ذاتية واضطروا إلى سحب تعويضات التقاعد، أو بيع الممتلكات والتنازل عن المدخرات.

الحال حرجة

هناك انطباع عام في لبنان أن “الاستشفاء بات للأغنياء فقط” وما على الفقراء سوى الانتظار المثقل بالألم والمعاناة. يصف وزير الصحة اللبناني فراس أبيض الوضع الصحي بالصعب بسبب الوضع المالي والاقتصادي وعدم انتظام المؤسسات في البلاد. ويؤكد لـ”اندبندنت عربية” أن “المشكلة ليست في ’الدولرة‘، وإنما في اعتماد القطاع بصورة مطلقة على استيراد معظم الأدوية والمستلزمات، مما يزيد عبء المواطن الذي يريد شراء الخدمات الصحية، في ظل انهيار القدرة الشرائية للعملة الوطنية. فما كان يتقاضاه المواطن في السابق كان يساوي قدراً أكبر من الدولارات”.

ويلفت أبيض “أثّر انهيار قيمة العملة الوطنية في موازنة وزارة الصحة، إذ إنها كانت تساوي 500 مليون دولار، أما حالياً، فأصبحت 35 مليون دولار أميركي فقط وعليه تضاءل هامش الحركة والقدرة على تغطية الخدمات وحاجات المواطنين”، ويوضح “الوزارة تنفق قرابة 80 في المئة من موازنتها على الاستشفاء ولكن قيمة المبلغ أصبحت أقل بكثير”.

كما ينوه إلى وجود عوامل أخرى مؤثرة في زيادة أعباء الخدمات الصحية، ففي السابق كانت المستشفيات تشتري كيلوواط الكهرباء لقاء خمسة سنتات، أما الكلفة فباتت اليوم 60 سنتاً بسبب غلاء المازوت، مضيفاً “هناك تضخم على المستوى العالمي، مما يتسبب بزيادة أسعار الخدمات من المصدر في موازاة تراجع الموازنة المحلية”.

المواطن والمستشفى

يجد المواطن اللبناني نفسه في صلب الخيارات المرة، إما التضحية بمدخراته بالكامل والاستدانة، أو البقاء في المنزل والعلاج وفق الطرق التقليدية. ينبه أبيض من زيادة نسبة من يهجرون المستشفيات، بحيث “انخفضت نسبة الاستشفاء إلى ما دون 50 في المئة، وهذا لا يعني أن العالم بصحة جيدة، ولا تمرض، وإنما لعدم قدرتها على دخول المستشفى”، ويعبر عن خشيته من حال المصابين بالأمراض الخطرة كالسرطان والقلب. ويوضح أن شريحة من يتحمل نفقات العلاج ذاتياً out of pocket في المرحلة السابقة للانهيار كانت تتراوح بين 20-25 في المئة، أما اليوم، فهي تفوق 75 في المئة في لبنان، علماً أن النسبة على المستوى العالمي لا يجب أن تتجاوز 10 في المئة. لذلك، فإن الأمن الصحي للمواطن اللبناني في خطر، بحسب أبيض الذي يتخوف من أن “تصبح الطبابة حكراً للأغنياء”.

ويعتقد بأن هناك فئة أكثر هشاشة في المجتمع، وتحاول وزارة الصحة إطلاق بعض البرامج على غرار دعم المستشفيات الحكومية وتفعيل مراكز الرعاية الصحية الأولية لمساعدة أصحاب الأمراض المزمنة والبالغ عددها 260 مركزاً منتشراً في أنحاء البلاد والعمل لإيصال الدواء المدعوم للمواطن من خلال منصة “أمان”. ويكشف عن وجود قرضين من البنك الدولي، يستخدم الأول الذي يبلغ حوالى 40 مليون دولار لدعم مراكز الرعاية الأولية وقرض قيمته 25 مليون دولار لتغطية فروق الاستشفاء، ناهيك عن دعم يأتي من جهات مانحة ومؤسسات دولية للقطاع الصحي.

ويلفت أبيض إلى وجود تأخير في دفع المستحقات للمستشفيات، وكذلك بت فواتير المستلزمات الصحية المستوردة التي يعمل على معالجتها مع مصرف لبنان.

ويتأسف أن “ما يجري في القطاع الصحي هو انعكاس لما يجري في القطاع المالي”، معتبراً أن المواطن اللبناني مهدد في أمنه الصحي والتربوي والغذائي، وهشاشة منظومة الحماية الاجتماعية التي تفترض تأمين الحقوق الأساسية للمواطن.

ويطمح إلى نجاح الاستراتيجية الوطنية للصحة في لبنان التي تحدد الأولويات في التركيز على الرعاية الأولية وليس الاستشفاء وتأمين الدواء البديل والاستعداد للأوبئة والذهاب نحو الرقمنة، مستدركاً “كل الخطط غير ناجعة في حال الفراغ وغياب استقرار مالي واقتصادي وسياسي”.

في موازاة ذلك، أطلقت وزارة الصحة تطبيق MedLeb الذي يتيح للمواطن التأكد من السعر الرسمي للدواء من خلال مسح الرمز الموجود على علبة الدواء، وكذلك معرفة البدائل عن الأدوية الأجنبية المقطوعة، إلى جانب إنشاء منصة “أمان” التي تعمل على تأسيس بطاقة صحية موحدة للمواطن، كما تتابع رقمياً أدوية الأمراض المستعصية المدعومة من المصدر إلى المريض المستفيد.

هجرة أطباء الاختصاص

لا تتوقف معاناة المواطن عند العجز عن الاستشفاء، بل تتجاوزها إلى تأثير “هجرة الأطباء الاختصاصيين” في صحة المواطن. وفي هذا السياق، شهدت كلفة المعاينة زيادة ملحوظة، فوصلت في بعض العيادات ضمن العاصمة إلى 100 دولار أميركي، وهو مبلغ مرتفع يعجز عدد كبير من المواطنين عن دفعه.

نقيب الأطباء في الشمال محمد صافي يشرح أن “وصول الوضع الصحي إلى أسوأ حالاته سببه عجز الصناديق عن تقديم خدماتها للمواطنين والمرضى بفعل تمويلها بالعملة الوطنية، فيما تسعر المستشفيات والأدوية بالدولار”، مضيفاً “أصبح المريض يتحمل الأعباء الهائلة سواء كان مضموناً على نفقة الضمان الاجتماعي، أو تعاونية موظفي الدولة، أو وزارة الصحة، أو الجيش”. وعليه، أصبحت حيازة الدولار شرطاً لدخول المستشفى. ويلفت صافي إلى أن “ذوي الدخل المحدود يتجهون نحو المستشفيات الحكومية التي تعيش في ظل ضغط شديد”.

وبحسب د. صافي، تشترط المستشفيات الخاصة تقاضي الفاتورة بالدولار لأن كل الخدمات ذات الصلة “مدولرة” من المازوت إلى الدواء والمستلزمات الطبية، كما أنها تحاول حماية نفسها من تأخير الجهات الضامنة في الدفع. ويتحدث عن معاناة الأطباء، فهم “لا يتقاضون في المستشفيات إلا القليل وتنطبق على ذلك مقولة ’من الجمل إذنه‘”، ويكشف عن “تراجع العمليات الجراحية في المستشفيات الخاصة، وكذلك في الحكومية”، وبسبب تراجع الدخل “يجد الطبيب نفسه مضطراً إلى إقفال العيادة والهجرة”.

كما يتطرق إلى زيادة التعرفة، إذ تقع على الطبيب أعباء مالية شهرية بما لا يقل عن ألف دولار، ناهيك عن كلفة النقل المرتفعة بفعل غلاء المحروقات. وتختلف قيمة التعرفة بحسب المنطقة، ففي مناطق الأطراف تتراوح بين 10 و40 دولاراً، وترتفع إلى 100 دولار في المراكز الجامعية في بيروت، يقول صافي الذي يشكو من وجود أعداد قليلة من الجراحين وأصحاب الاختصاصات الحساسة كجراحة القلب والتجميل.

الضمان عاجز

في وقت يبلغ دولار السوق الحرة ما يتجاوز المئة ألف ليرة لبنانية، تعتمد الجهات الضامنة 1500 ليرة لبنانية سعراً للصرف وتعترف أوساط الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بتراجع ثقة العملاء بخدمات المؤسسة وامتناعهم عن تقديم الطلبات لتغطية فروق الطبابة والاستشفاء.

ويلفت صندوق الضمان الاجتماعي الى زيادة التقديمات في بعض الحالات بـأربعة أضعاف كـغسيل الكلى، وهو أمر غير كاف، وهناك توجه لرفع التقديمات لمرضى القلب والسكري والسرطان، كما أن هناك رغبة لدى الصندوق في زيادة البدل المادي، لكن ذلك يتطلب تشريعات ويشكل رفع الحد الأدنى للأجور مدخلاً لها من خلال زيادته إلى حوالى 4.5 مليون ليرة لبنانية، إضافة إلى ضرورة أن تدفع الدولة المتأخرات المترتبة عليها وأن تفرج المصارف عن ودائع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

المصدر:اندبندنت عربية.

Reporter-Z
Author: Reporter-Z

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى