تابعوا قناتنا على التلغرام
عربي ودولي

صراعٌ إثيوبي سوداني بـ “بصمات” بريطانية..!

دناءةُ وخِسة هكذا وصفت السودان ما فعلته إثيوبيا في أسرى سودانيين لديها حيث أعدمت ٧ جنود ومدني فغضبت الخرطوم وهددت بالرد على الأرض ذاتها التي يتنازع الطرفان عليها وهي سبب الصراع التاريخي بينهما والتي قد تؤدي بهما يوماً لحرب دامية.

وهنا نستعرض لكم قصة الصراع ونُخبركم عن مدى قوة كل طرف ولمن تؤول إحتمالات النصر بينهما.

<صباح الخير يا جاري أنت بحالك وانا بحالي >

قولُ شعبي لا ينطبق أبداً على الجارين السوداني والإثيوبي.

كلاهما لا يضمر خيراً للآخر والخلاف بينهما وصل لحد العداء وعمره سنوات بل عقود تجاوزت القرن من الزمن، ومن بداية القصة قبل أكثر من قرن كان السودان تحت الوصاية البريطانية وكانت إثيوبيا إمبراطورية مستقلة تحت حكم الأمبراطور منليك الثاني الذي أرسل للإنكليز رسالة طالباً منهم تحديد حدود إمبراطوريته وكان ذلك العام ١٨٩١ فرد عليه الإنكليز بعد عشر سنوات تقريباً وتحديداً العام ١٩٠٢ ووقعوا معاهدة لترسيم الحدود بين السودان الأوصياء عليهم وإثيوبيا، نصت على أن تقوم لجنة مشتركة من الطرفين بتحديد الحدود وترسيمها ثم لاحقاً قامت إنكلترا منفردة العام ١٩٠٣ بترسيم الحدود بعد رفض إثيوبيا المشاركة نتيجة لذلك ظلت الحدود أمراً متنازعاً عليه وموضع خلاف خاصة المناطق الواقعة شمال جبل الدجيج وهنا سنتوقف قليلاً لنروي كيف إستفحل هذا الخلاف وتحول إلى إحتراب بين الطرفين ،حيثُ في العام ١٩٥٧ دخل مزارعين إثيوبيين منطقة من ضمن المناطق المتنازع عليها  تُدعى الفشقة وإستزرعوا ٣٨٠٠ فدان فيها وما إن وصلنا للعام ١٩٦٧ سبعة وستين حتى بلغ عدد المزارعين الإثيوبيين في الفشقة قُرابة ٢٧ مزارعاً يديرون قُرابة ٣٣ ألف فدان في العام التالي .

عام ١٩٦٨ جاء للمنطقة يهودي يُدعى كنفي وهو من يهود الفلاشا التابعين لقومية الأمهرة وحرض المزارعين الإثيوبيين بالإضافة لمن جاء معه من هناك على شن هجوم على جبل أبو الطيور في الفشقة الكبرى وبالفعل تمكنت ميليشياته من السيطرة على الجبل ليبقى تحت سيطرته عدة أشهر قبل أن يأتي العام التالي وتتمكن القوات السودانية من طرد ميليشيا  <كنفي> بعد معركة شارك بها سكان المنطقة من السودانيين وفي تلك المعركة تمكنت القوات السودانية من العثور على خطابات مكتوب عليها أورشاليم ما دل على شبهة وقوف إسرائيل وراء إشعال الخلاف بين البلدين حيث ما قبل هذا التاريخ كان المزارعون الإثيوبيون يعملون بسلام في أراضي تتبع السودانيين لكن بعده تطورت الأمور للأسوأ وكادت تنزلق إلى حرب حتى جاء العام ١٩٧٢ وهنا إتفق الطرفان في الخرطوم وأديس بابا على إعادة ترسيم الحدود بينهما بشكل ودي وفعلاً وبشراكة مع منظمة الوحدة الإفريقية بدأ العمل على الأمر لكن العام ١٩٧٤ تغيرت الحكومة في أديس بابا وتراجعت عن الإتفاق لكن لم تنزلق الأمور لما هو أسوأ بل على العكس تزايد إستيطان المزارعين الإثيوبيين بفعل إنشغال الخرطوم بقضايا أُخرى مثل قضية الجنوب والصراع على السلطة كما جلب المزارعون المستوطنون ميليشيات مسلحة لمحايتهم وباتت المناطق المتنازع عليها بين البلدين وتحديداً الفشقة شبه مُسيطر عليها من الميليشيات الإثيوبية وخاصة في التسعينيات من القرن الماضي ومع مطلع الألفية الجديدة ولخفض التوتر عاد البلدان لإتفاقية العام ١٩٧٢ وما إن جاء العام ٢٠٠٥ حتى تمكنت من توقيع إتفاقية مبدأية ك حل مؤقت للأزمة يرى فيها حصر الأراضي الخصبة التي سيطر عليها المزارعون الإثيوبيون وظلت تحت سيطرتهم وخلال السنوات اللاحقة تمكنوا من توسيعها أكثر فخلال سنوات حكم البشير لم تكن الخرطوم ترغب بفتح جبهة مع إثيوبيا (أديس بابا) لقد كان هم البشير ونظامه تثبيت حكمه لذا جرى في عهده إنفصال الجنوب كما توغلت إثيوبيا على السودان حتى جاء العام ٢٠٢٠ وخلال الحرب الأهلية الإثيوبية بين الحكومة وجبهة تيغراي أقدم الجيش السوداني على بسط نفوذه على كامل الفشقة وأعلن عودتها لسيادته بعد أن كانت الميليشيات الإثيوبية قد سيطرت عليها طيلة ربع قرن ثم تدحرجت كرة اللهب أكثر مع الوقت وبدأت تطورات أكثر على الساحة تجري بين الطرفين تضمنت إختاراقات عسكرية من هذا الطرف أو ذاك .

فأن إثيوبيا تقول أن السودان إستغلت الحرب الأهلية لإحتلال ما تُسميه أجزاء من أرضها وخلال السنتين الأخيرتين جرت عمليات قتل هنا وهناك كما تعاظمت قضية السد الإثيوبي الذي قد يؤثر على حصة السودان من مياه النيل كما إتهمت أديس بابا الخرطوم بدعم وإيواء مقاتلين بجبهة تيغراي المناوئين لأديس بابا والعلاقات ساءت بين البلدين حتى وصلت للحادثة الأخيرة التي إتهمت الخرطوم فيها جارتها بأعدام جنودها بعمل وصفته ب الدنيء والخسيس وتوعدت بالرد واقعياً وفعلياً ،أيعني أن الأمور قد تنزلق أكثر بين البلدين وقبل الحديث عن قوة كل طرف وما يملك تجدد الإشارة إلى أهمية منطقة الفشقة المتنازع عليها حتى مساحة تبلغ مليوني فدان جميعُها أراضىٍ خصبة وزراعية كما أنها أشبه بجزيرة بحكم ما يتخللها من أنهار وهي كانت تمثل غالبية صادرات إثيوبيا من محاصيل زهرة الشمس والسمسم والذرة ولهذا فكِلا الطرفان يتقاتلان عليها حتى أدى ذلك لنشوب حرب بينهما وعن هذه الحرب لمن ستكون الغلبة فيها في حال إندلعت .

بِلُغَت الأرقام فإن ترتيب الجيش السوداني في سُلم قوة الجيوش العالمية يأتي بالمرتبة ٧٣ في حين نظيره الإثيوبي بالمرتبة ٦٥ وذلك وفقاً لآخر تصنيفات موقع GLOBAL FIRE POWER المتخصص وأيضاً يصل عدد جنود الجيش السوداني إلى ٢٠٥ ألف جندي بينهم ١٠٠ ألف جندي عامل و ١٥٠ ألف إحتياطي إضافة إلى ٥٥ ألف من القوات شبه العسكرية كما يمتلك السودان قوات جوية تضم ١٩٢ طائرة حربية بينها ٤٥ مقاتلة و ٣٨ طائرة هجومية و ٢٥ طائرة نقل عسكري و ١٢ طائرة تدريب و ٧٢ مروحية بينها ٤٣ مروحية هجومية بالإضافة إلى ٧٤ مطاراً صالحاً للإستخدام .

في حين تضم القوات البرية السودانية ٣٦٠ دبابة و ٢٠٧ مدرعة و ١٠ مدافع ذاتية الحركة و ٣٨٩ مدفعاً ميدانياً و ٣٠ راجمة صواريخ ويتكون الأُسطول البحري السوداني من ١٨ وحدة بحرية وتتجاوز ميزانية دفاع الجيش السوداني ٢٨٧ مليون دولار.

أما الجيش الإثيوبي.

يصل عدد جنوده إلى ١٥٠ ألف جندي جميعهم قوات عاملة ولا توجد قوات إحتياطية وتتكون القوات الجوية الإثيوبية من ٩٠ طائرة حربية بينها ٢٣ مقاتلة وطائرة أعتراضية و ٩ طائرات نقل عسكري و ٢٦ طائرة تدريب و ٣٢ مروحية بينها ٧ مروحيات هجومية بالإضافة إلى ٥٧ مطاراً صالحاً للإستخدام وعن قواته البرية تضم ٣٤٠ دبابة و ١١٠ مدرعة و ٦٧ مدفعية ذات الحركة و ٤٧٠ مدفعاً ميدانياً و ١٨٣ راجمت صواريخ ولا قوات بحرية لديه بحكم أن أثيوبيا دولة حديثة لا منافذ بحرية لها وعن ميزانية الدفاع للجيش الإثيوبي فهي تصل إلى ٥٣٨ مليون دولار وفي المقارنة العسكرية فإن عوامل أُخرى تدخل بالحسبان ك عدد السكان .

مثلاً حيث يسكن السودان قرابة ٤٥ مليون ونصف مليون نسمة بينهم قرابة ٢٤ مليون نسمة يُعتبرون قوة بشرية مُتاحة في حين يَسكن إثيوبيا قرابة ١٠٨ مليون نسمة بينهم قرابة ٥٢ مليون نسمة ك قوة بشرية مُتاحة وأيضاً يدخل عامل التحالفات، السودان جارت مصر وشقيقتها وهي شريكتها في قضية سد النهضة وأبرز الحلفاء المحتملين للخرطوم كما قد تكون دول الخليج حليفاً للسودان في حال إندلاع الحرب مع إثيوبيا لكن في المقابل يُعد الكيان الصهيوني حليف محتمل لإثيوبيا وقد يمدها عسكرياً في حال إحتاجت لذلك وبتوظيف عامل الخبرة فكلا البلدان يعانيان من صراعات داخلية ألا أنها في إثيوبيا إنزلقت لتصبح حرباً أهلية طاحنة قد تكون أرهقت جيش أديس بابا دون إغفال أن الخرطوم تعيش أزمة سياسية داخلية ومظاهرات تُطالب بعودة الحكم المدني في أعقاب خروجها في ثورة شعبية أقصت نظام البشير وبالنظر لكل ما سبق على الورق تبدوا قوة البلدين متقاربة وما قد يحسم أي صراع محتمل بينهما هي التحالفات بدخول دول أُخرى على الخط وهذا ما لا يمكن الجزم به إلا حين تقع الواقعة.

د. خالد زين الدين

رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية.

عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.

عضو نقابة الصحافة البولندية.

Nour
Author: Nour

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى